التقرير السنوي الثالث لأوضاع النساء في السياسة بالمنطقة العربية 2019
المقدمة
منذ اندلاع ثورات الربيع العربي في عام 2010، كانت النساء في الصفوف الأولى للتظاهرات والاحتجاجات الجماهيرية. ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي تتواجد فيها نساء المنطقة العربية في الفعاليات والاحتجاجات السياسية، بل كان لهن باع طويل في المشاركة السياسية، وقد ناضلن طويلاً لشق طريقهن داخل المجال العام في المنطقة العربية. ومنذ أواخر في عام 2010 وتزامناً مع الحراك الجماهيري بالمنطقة وكجزء أصيل منه، تطورت الحركة النسوية في المنطقة، وطورت من تكتيكاتها وآلياتها لتعزيز وجود النساء في المجال العام والدفاع عنه. وساعدت تلك التطورات في تحقيق إنجازات سياسية واجتماعية وقانونية لنساء المنطقة العربية. وفي الوقت نفسه، لم يكن تواجد النساء بالمجال العام دوماً أمراً مسلماً به أو سهل المنال، بل دفعت النساء مقابله أثماناً باهظة ومازالت تناضل للحفاظ على مكتسباتها داخل المجالين الخاص والعام، والمضي قدماً نحو الوصول إلى العدالة الجندرية.
وفي هذا السياق، يعمل ملتقى النساء في السياسة بالمنطقة العربية على طرح الأسئلة الخاصة بتواجد النساء في المجال العام. فينظر إلى طبيعة هذا التواجد وسبل تعزيزه بدول المنطقة من خلال عدة محاور، منها دراسة التشريعات والسياسات الوطنية والإقليمية المؤثرة في المشاركة السياسية والاجتماعية للنساء، والضغط على المشرع لتبني قضايا النساء في المجالين الخاص والعام، وكذا دراسة العوامل السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي تؤثر على مبدأ المواطنة والمساواة للنساء في كافة المجالات.
ومن هذا المنطلق، يأتي هذا التقرير ليتناول مشاركة نساء المنطقة العربية في المجال العام، محللاً للوضع الحالي لمشاركتهن السياسية داخل بعض الأشكال التنظيمية السياسية وذلك في ثلاث مناطق: شمال أفريقيا وغرب آسيا ومنطقة الخليج العربي. نظراً لاختلاف السياقات والبيئات السياسية والديموغرافية، وتباين الاستقرار السياسي بدول المنطقة، سيُقسِّم التقرير المنطقة العربية على نحو جغرافي. هذا لا يعني أن دول المنطقة الواحدة متشابهة في السياقات أو الأوضاع السياسية، فسنجد أن المنطقة الجغرافية الواحدة بها دول مستقرة نسبياً وأخرى تعاني من صراعات، مما ينعكس بدوره على منهجية البحث.
تضم منطقة شمال أفريقيا دول مصر والسودان وليبيا والجزائر وتونس والمغرب وموريتانيا. وتشمل منطقة غرب آسيا دول فلسطين والأردن ولبنان وسوريا والعراق. بينما تضم منطقة الخليج دول مجلس التعاون الخليجي (السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين وقطر والكويت وسلطنة عمان) بالإضافة إلى اليمن.
يبدأ التقرير في الباب الأول بتعريف المجال العام، بالنظر في الخلفية النظرية لمفهوم المجال العام وتفسيره في السياق النسوي. بعد ذلك ينتقل التقرير إلى تاريخ تواجد النساء في المجال العام في المنطقة العربية حتى أواخر عام 2010 ومع اندلاع ثورات وانتفاضات الربيع العربي. ويُعطي هذا الفصل خلفية تاريخية عن مشاركة النساء في الحركات والانتفاضات السياسية، والتي لم تكن بدايتها خلال ثورات الربيع العربي، بل إن مشاركة النساء في المجال العام في دول المنطقة الحديثة ترجع تاريخياً على الأقل إلى حركات التحرر الوطني ضد الاستعمار مروراً بمشاركتهن في الأطر التنظيمية المختلفة كالأحزاب السياسية والنقابات المهنية والعمالية وكذلك مؤسسات الدولة، بالإضافة إلى الكيانات التنظيمية الأخرى مثل مؤسسات المجتمع المدني. وبالنظر إلى المشاركة التاريخية، نستطيع أن نفهم الربيع العربي كإحدى نقاط التحول في الحراك النسوي، إذ طورت الحركة من أدواتها وتطورت معها الأسئلة الخاصة بالمجال العام وتواجد النساء بداخله، وهو ما سيلقي التقرير عليه الضوء في بابه الثاني.
ينقسم الباب الثاني إلى ثلاثة فصول، تتناول كل منها مشاركة النساء في المجال العام بالمنطقة العربية من خلال التركيز على مؤسسات سياسية وتنظيمية مختلفة، وتحديداً الأحزاب السياسية والنقابات وسلطات الدولة الثلاثة (التنفيذية والقضائية والتشريعية) تباعاً، وذلك داخل الثلاث مناطق الجغرافية التي سبق الإشارة إليها. بالإضافة إلى ذلك، يُلقي التقرير الضوء على وضع النساء بكل منطقة جغرافية في الدساتير والقوانين المؤثرة في تواجد النساء بالمجال العام، نظراً لأهمية تلك القوانين كمقياس أساسي لوضع النساء داخل الدول بشكل عام، وكمؤشر على نظرة الدول للنساء.
أما الباب الثالث فيتناول الانتخابات التي جرت خلال عام 2018 وبدايات 2019، وهي الانتخابات التشريعية بكل من العراق ولبنان والبحرين، بالإضافة إلى الانتخابات البلدية التونسية والبحرينية. يشمل هذا الباب عملية الانتخابات ونتائجها بالإضافة إلى التطرق إلى البيئة السياسية والقانونية المحيطة بها ووضع النساء ومدى مشاركتهن كمرشحات وكناخبات.