الباب الثاني: وضع النساء في المجال العام بالمنطقة العربية
مقدمة
يسلط هذا الباب الضوء على تواجد النساء بالمجال العام، ومدى مشاركتهن السياسية في الأعوام القليلة الماضية، وتحديداً منذ أواخر عام 2010 حينما شهدت بعض الدول العربية تغييرات جذرية في تركيبتها السياسية والاجتماعية جرّاء ثورات وانتفاضات الربيع العربي. واختلفت درجة تأثير تلك التغيرات من دولة لأخرى، فبعض الدول العربية استطاعت أن تسير نحو التحول الديمقراطي وبعضها لم تؤد ثوراتها إلى ذات التحول، بل استمرت أوضاعها السياسية كما هي أو ساءت، بينما تحولت دول أخرى من الحراك السلمي إلى الصراع المسلح. وعلى أية حال، فإن هذه التطورات أثرت على حياة النساء وعلى مشاركتهن داخل المجال العام.
نظراً لاختلاف السياقات والعوامل التي سنتطرق إليها في هذا الباب، فإن بعض نساء المنطقة قد حصلن على استحقاقات تشريعية وسياسية أكثر من غيرهن. لذلك سيتتبع التقرير أوجه التشابه والاختلاف بين تلك السياقات، ويحلل نتائجها وعوائدها على المشاركة السياسية لنساء المنطقة. بدءًا من دول شمال أفريقيا حيث اندلعت الشرارات الأولى لسلسلة الثورات والانتفاضات مروراً بدول غرب آسيا وحتى دول الخليج العربي.
ويلقي التقرير الضوء على تواجد النساء داخل القوى السياسية مثل الأحزاب السياسية والنقابات العمالية والمهنية، وكذلك مشاركتهن في سلطات الدولة الثلاث؛ السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية وأخيراً السلطة القضائية. ويشير التقرير بوجه عام إلى تأثير الحراك النسوي على وجود النساء بالمجال العام.
عندما اندلعت ثورات الربيع العربي، كانت النساء في قلب ذلك الحراك الثوري، وخلقن مساحات لأنفسهن في الصفوف الأمامية للمظاهرات والمسيرات مطالبات بالديمقراطية والمساواة والعدالة. وظن الجميع أن ذلك الدور المحوري الذي لعبته النساء في الحراك الجماهيري سيؤتي ثماره، ليس فقط من الناحية السياسية والاجتماعية، ولكن نحو العدالة الجندرية أيضاً. غير أن النساء أدركت مراراً أن الديمقراطية لا تجلب دائماً العدالة والمساواة لهن. فكان عليهن النضال من أجل حقوقهن كذلك. وكأن على النساء خوض معركتين وليست واحدة. إحداهما معركة الديمقراطية ورحيل الديكتاتورية، والأخرى معركة حقهن في المساواة والعدالة دون أي تمييز. ولم تكن النساء لتدرك ذلك، لولا أن التاريخ قد أوضح لهن كيف ناضلت نساء قبلهن، وواجهن ذات العقبات والتحديات أثناء بناء أوطانهن بعد مرحلة التحرر الوطني. وقد فهمت النساء ذلك الدرس، وأدركن أن قضاياهن؛ قضايا النساء لا تحتمل الانتظار أو التأخير. ولا يمكن لحراك يدعو إلى التغيير أن يُقصي النساء، أو أن يأتي على حساب حقوق النساء.