الفصل الثاني: مشاركة النساء في الأحزاب السياسية
تلعب الأحزاب السياسية دوراً محورياً في المجتمعات الديمقراطية الحديثة. فتنقل الأحزاب المطالب المجتمعية واحتياجات المواطنين والمواطنات وتقدمها في صورة سياسات على المستوى الوطني. كذلك تلعب الأحزاب السياسية دوراً هاماً في تأهيل وتدريب الكوادر السياسية لخوض الانتخابات المختلفة. وفي المنطقة العربية تطورت مشاركة النساء بالأحزاب السياسية بوتيرة متفاوتة بين الدول، غير أنها تشترك في بطء تلك العملية. وعلى الرغم من اختلاف السياقات لدول المنطقة، نستطيع أن نجد أوجه تشابه في أوضاع النساء بالأحزاب السياسية.
أولاً: شمال أفريقيا
انتعشت الحياة الحزبية في بعض دول شمال أفريقيا بعد ثورات المنطقة، حيث ظهرت العديد من الأحزاب السياسية مع فتح المجال العام في كل من مصر وتونس. في مصر تم إنشاء حوالي 20 حزباً سياسياً جديداً بعد تعديل المجلس العسكري لقانون الأحزاب السياسية عام 2011. وفي تونس تم إصدار قانون جديد يضمن حرية الحياة الحزبية، نتج عنه تأسيس العديد من الأحزاب التونسية الجديدة. أحد سمات التشابه بين البلدين كذلك كان تأسيس التيارات الإسلامية بكلتا الدولتين لأحزاب سياسية، حصدت شعبية ملحوظة أشهرها حزب الحرية والعدالة التابع لجماعة الاخوان المسلمين في مصر، وحزب حركة النهضة بتونس. في المقابل تأسست عديد من الأحزاب السياسية الليبرالية واليسارية.
انضمت الكثير من النساء للأحزاب الجديدة في محاولة ل "جندرة" تلك الأحزاب والوصول لآليات صنع القرار، والحصول على تأثير أقوى على سياسات الدولة، بالإضافة إلى خلق مساحات آمنة داخل الأحزاب السياسية والتشبيك فيما بين الحركة النسوية والأحزاب، وهو ما كان في غاية الأهمية نظراً لحساسية المرحلة الانتقالية. وكان من نتائج هذه المشاركة وصول بعض النسويات والناشطات إلى المناصب القيادية للأحزاب السياسية. ففي مصر تم انتخاب الدكتورة هدى الصدة كنائب رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي وهي كاتبة وأكاديمية نسوية،1 ووصلت السيدة هالة شكرالله لرئاسة حزب الدستور لتكون أول امرأة قبطية تصل لرئاسة حزب سياسي.2 وفي تونس قادت السيدة آمنة منصور قروي الحركة الديمقراطية للإصلاح والبناء، والسيدة مريم منور رئيسة للحزب التونسي، وكانت السيدة الراحلة مايا جريبي أحد قادة الحزب الديمقراطي التقدمي والذي تغير اسمه إلى الحزب الجمهوري.
في مصر ومع انتشار أحزاب الإسلام السياسي، ازدادت حدة الهجوم على النسويات والناشطات في مجال حقوق الإنسان وحقوق المرأة، وهوجمت استحقاقاتها الدستورية والقانونية. فمثلاً صرحت بعض الأحزاب السلفية في مصر علانيةً رفضها لتواجد النساء بالمجال العام ومشاركتها بالحياة السياسية. وفي نفس الوقت ضمت القوائم الحزبية الس
لفية في انتخابات مجلس النواب عام 2011 عدداً من النساء اضطراراً لتلبية شروط الانتخاب الذي ألزم القوائم بوجود مرشحة واحدة على الأقل بكل قائمة. وكانت النتيجة أن وضعت تلك الأحزاب مرشحاتها من النساء عادةً في أسفل القائمة.3
أما عن تونس، فتضمنت برامج بعض الأحزاب السياسية الدعوة إلى زيادة مشاركة النساء بالمجال العام وتوفير بيئة آمنة لهن. غير أن البعض لم يلتزم بتلك الدعوات. في حين أن أحزاباً أخرى لم تتضمن برامجها نصوصاً صريحة عن نسبة تمثيل المرأة ومشاركتها السياسية مثل حزب النهضة ذو الأغلبية البرلمانية، فلوائحه الداخلية لا تتضمن تمثيل المرأة داخل قيادات الحزب على المستويات المحلية أو الجهوية أو الوطنية، لكن في أول انتخابات للبلاد في أكتوبر 2011، طبقت حركة النهضة مبدأ التبادل بين الجنسين في قوائمها، ونتج عن ذلك فوز 42 مرشحة عن حركة النهضة من أصل 59 مرشحة فائزة بالمجلس الوطني التأسيسي. وهنا نرى أن التمثيل العددي المجرد للنساء لا ينتج عنه بالضرورة تحسناً في أوضاع النساء. فعلى سبيل المثال، صرحت عضوة المجلس الوطني التأسيسي عن حركة النهضة السيدة سعاد عبد الرحيم، والتي فازت مؤخراً بمنصب أول عمدة سيدة لتونس العاصمة، برفضها للدعوات النسوية بخصوص وضع معايير لحماية ومساعدة الأمهات العازبات، وأنهن عار على تونس ومن غير المعقول أن يكون هناك قانون لحماية الأمهات العازبات في مجتمع عربي مسلم إلا في حالات الاغتصاب.4 لكن ذلك التصريح فتح باباً من المعارضة النسوية حتى قدمت اعتذاراً على تصريحها. ومن حيث نسبة تمثيل النساء داخل حركة النهضة، فمجلس شورى الحركة يضم 15 عضوة من إجمالي 150 عضواً، أي بواقع 10% فقط. بينما توجد 7 نساء عضوات بالمكتب التنفيذي من أصل 26 عضواً، ويحتوي المكتب السياسي على ٥ نساء عضوات من مجموع 38 عضواً.
أما عن حزب نداء تونس الحاكم، فالوضع ليس مختلف كثيراً. في بدايات الحزب عام 2012 ضمت المجموعة المؤسسة له ثلاث نساء من أصل 11. وحين وضعت اللائحة الداخلية للحزب، لم يتم ذكر المشاركة السياسية للنساء على الرغم من دعوات الحزب المستمرة للمساواة بين الرجال والنساء. أما في الوقت الحاضر، فترشيحات عضوية المكتب السياسي متماشية مع قانون التناصف، بحيث تكون هناك 15 عضوة سيدة على الأقل من إجمالي 34 عضواً.5
في الجزائر تحسن وضع النساء في المجال العام تدريجياً على مدار الأعوام الماضية بفضل الحراك النسوي والدفع من أجل إصلاحات قانونية ومؤسساتية. غير أن الأحزاب السياسية لا تمتلك عادةً خطاباً معيناً أو آليات محددة لتشجيع النساء على الوصول للمناصب القيادية للأحزاب وتمثيل تلك الأحزاب في المجالس المنتخبة. بمعنى آخر، لا تبذل الأحزاب السياسية الجزائرية ما يكفي من الجهد لإدماج النساء في العملية السياسية.
على مستوى التشريعات، تضمنت التعديلات الدستورية عام 2008 الفقرة أ من المادة 31 الخاصة بالحقوق السياسية للنساء، والتي تُلزم الدولة بالعمل على تعزيز حقوق النساء وزيادة فرصهن في التمثيل العادل بالمجالس المنتخبة. وفي عام 2012 قدم القانون العضوي رقم 12-04 الخاص بالأحزاب السياسية مزيداً من الضمانات للنساء. ومن المؤكد أن ساعدت تلك الإصلاحات في الدستور والقوانين على تعزيز وتحسين مشاركة النساء بالمجال العام. غير أن الجانب المجتمعي والرأي العام لم يكن في صف النساء كثيراً. فضعف الإرادة السياسية لدى الأحزاب لإدماج النساء وقضاياهن يرجع إلى الأعراف المجتمعية والتقاليد وليس فقط لضعف الديمقراطية. فأظهرت بعض الدراسات أن الرجال في الدولة مازالوا يفضلون أن تبقى النساء بعيدة عن السياسة وعن العمل السياسي.
أما عن آليات التمييز الإيجابي للنساء، وتحديداً نظام الحصص أو "الكوتا"، فحين بدأ النقاش حول النسبة المتفق عليها لتمثيل النساء، كانت الأمم المتحدة قد اعتمدت نسبة 30% بعد مؤتمر بكين عام 1995، غير أن القانون وجهت له العديد من الانتقادات من الأحزاب، اشترك فيها جبهة التحرير الوطني بأحزاب إسلامية مثل تحالف حركة مجتمع السلم وحركة الإصلاح الوطني. في النهاية تم اعتماد نسبة أقل وهي 26% بواقع 119 مقعداً مخصصاً للنساء من إجمالي 462 مقعداً.
في المغرب تشاركت الأحزاب السياسية في بعض النقاط مع قريناتها في دول المنطقة. فبداية من دستور المملكة، الذي أمر الأحزاب السياسية بصنع كوادر سياسية من النساء والرجال، وتحسين ظروف إدماج النساء بالمجال العام. وقد تجاوبت الأحزاب مع ما أقره الدستور من ناحية توسيع المشاركة السياسية للنساء بالأحزاب لتتضمن الوصول لمراكز صنع القرار بالأحزاب ومشاركتهن في التطور السياسي بالبلاد.6
ولهذه الغاية يسعى كل حزب سياسي لبلوغ نسبة الثلث لفائدة النساء داخل أجهزته المسيرة وطنياً وجهوياً، في إطار التحقيق التدريجي لمبدأ المناصفة بين النساء والرجال.
وقد تعاملت الأحزاب السياسية بنوع من البراجماتية في تفعيل هذه المقتضيات القانونية في قوانينها الأساسية وأنظمتها الداخلية، ويوضح الجدول التالي كيف تعاملت الأحزاب السياسية المغربية مع مقتضيات الفصل 26 من الدستور:
الحزب |
النسبة المقترحة |
الاستقلال |
- تتكون اللجنة التنفيذية من 28 عضواً ويكون من بينهم على الأقل ست (6) نساء وأربعة (4) من الشباب الذكور - تخصص نسبة لا تقل على 30 للنساء من أعضاء اللجنة المركزية. - تخصص نسبة لا تقل على 30 للنساء من أعضاء المجلس الوطني. |
التقدم والاشتراكية |
السعي نحو بلوغ نسبة الثلث لعدد النساء في إطار المناصفة. |
الحركة الشعبية
|
يسعى الحزب لبلوغ نسبة الثلث لفائدة النساء، داخل أجهزته المسيرة وطنياً وجهوياً في إطار التحقيق التدريجي لمبدأ المناصفة. |
العدالة والتنمية |
- يسعى الحزب لبلوغ نسبة الثلث لفائدة النساء في هيئاته التقريرية والتنفيذية في إطار التحقيق التدريجي للمناصفة بين النساء والرجال. - تخصص للنساء نسبة 25% في الهيئات التنفيذية والتقريرية. |
الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية |
يتعين الحرص على تمثيل النساء في الهيئات والأجهزة التقريرية والتنفيذية بحسب الثلث في إطار المناصفة. |
التجمع الوطني للأحرار |
يسعى لتحقيق نسبة الثلث من مشاركة النساء في أجهزته وهيئاته القيادية. |
الأصالة والمعاصرة |
لا تقل نسبة النساء عن الثلث في جميع بنيات الحزب.
|
ويقدم لنا الجدول أعلاه، تصنيفاً للأحزاب السياسية في تفعيلها لمقتضيات الفصل 26 من القانون التنظيمي حيث يمكن التمييز بين:
- أحزاب سياسية تبنت مقاربة حقوقية متكاملة لإدماج النساء كخيار استراتيجي وتنظيمي ومنها حزب التقدم والاشتراكية، حيث شكلت مخرجات المؤتمر الوطني العاشر لحزب التقدم والاشتراكية المنظم أيام 11,12،13 ماي/مايو 2018 تحت شعار "نفس ديمقراطي جديد" بانتخاب 9 عضوات من أصل 30 عضواً بالمكتب السياسي، تأسيسه لمنتدى المناصفة والمساواة، وكذا إبرامه اتفاقية شراكة مع الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب مؤخراً من أجل هيكلة هيئة المساواة وتكافؤ الفرص ضمن لجانه الوظيفية الدائمة:
- أحزاب أدرجت هذه المقتضيات وفق مقاربة تقنية حسابية.
- أحزاب أقرت نسب أدنى من النسبة التي حددها الفصل 26.
- أحزاب جعلت من النسبة الواردة في الفصل طموحاً لا يواكبه التزام أخلاقي واضح.
وبالتالي فإن المحصلة النهائية لتفعيل هذه المقتضيات أن العديد من الأحزاب لم تبلغ نسبة الثلث كخطوة نحو المناصفة، فتعاملها مع المسألة النسائية مرتبط بالسياقات العامة التي تأسست فيها وسياقات تطورها، وتبنيها البراجماتية أي المصلحة أو النفعية. وبالتالي تحولت من أحزاب مناضلة حاملة لمشروع مجتمعي في سياق تاريخي معين إلى أحزاب وظيفية. وهذا ما يظهر تشابه البرامج الحزبية والبنيات التنظيمية التي خصصتها لفائدة النساء إلى حد كبير. لقد انتقلنا إذن من الحزب التاريخي إلى الحزب الوظيفي البراجماتي النفعي.
الأمر الذي لا يمكن النساء ولوج مراكز القرار إلا في حالات معزولة، فكل الأحزاب السياسية لم تقرن عدم التقيد بهذه المقتضيات بجزاءات واضحة. فالقاعدة القانونية قاعدة عامة وملزمة، وقوتها تتجلى في الجزاءات التي تسندها في حالة خرقها. والدليل على ذلك أن المشهد الحزبي المغربي يواصل رسم صورة تغيّب النساء بقوة من الأجهزة القيادية. فهذه الفضاءات السياسية لازلت تقاوم التمكين السياسي للمرأة، وأن تتبوأ المكانة التي تستحقها في المجتمع وفي مراكز القرار.
فالأحزاب السياسية تتحمل مسؤولية كبيرة في إنجاح آليات التمييز الإيجابي من خلال طبيعة اختياراتها ومعايير التزكية، ولا ينبغي اعتبار الـ "كوتا" المدخل الوحيد لرفع التمثيلية السياسية للنساء، بل لابد من التفكير في آليات ومبادرات متنوعة تروم بناء ثقافة مجتمعية داعمة للمشاركة النسائية، بحيث لا يكون إشراك النساء مجرد تغيير في الأرقام، بل يعكس تحولاً مجتمعياً ووعياً مشتركاً في مسار تخليق وتحقيق العدالة الاجتماعية. ولنا في مبادرات إيجابية لبعض الأحزاب المغربية إشارات قوية في هذا السعي:
- حزب التقدم والاشتراكية وتعيينه للسيدة النائبة البرلمانية عائشة لبلق رئيسة للكتلة النيابية، وذلك من أصل 7 من الكتل النيابية الممثلة بمجلس النواب.
- حزب الأصالة والمعاصرة بتعيينه للسيدة النائبة زكية لمريني رئيسة لجنة الداخلية والجماعات الترابية، وإعداد التراب الوطني والتعمير والسكنى وسياسة المدينة.
- حزب الاستقلال بتعيينه للسيدة النائبة سعيدة أبو علي رئيسة لجنة القطاعات الاجتماعية.
وبهذا أصبحت لجنتان من اللجان الدائمة التسع بمجلس النواب المغربي تحت رئاسة نسائية برسم الولاية التشريعية 2016-2021. علاوة على أن الساحة السياسية بالمغرب تعرف تحولاً من خلال قيادة النساء لحزبين سياسيين: الحزب الاشتراكي الموحد تتولى أمانته العامة نبيلة منيب، وحزب المجتمع الديمقراطي ترأسه زهور الشقافي.
ومن المداخل الاساسية التي أقرها القانون التنظيمي للأحزاب السياسية هو حثه للتنظيمات الحزبية على ضرورة إحداث تنظيمات وبنيات وأجنحة متخصصة في المسألة النسائية. وفي هذا السياق قامت معظم الأحزاب المغربية بتأسيس قطاعات وتنظيمات نسائية لتناول قضايا النساء واحتياجات العضوات، مثل التزام الاتحاد الاشتراكي بضرورة الحرص على احترام حصيص 20% لترشيح النساء في قوائمه الانتخابية.
إن تعامل الأحزاب السياسية المغربية مع المسألة النسائية تحكمت فيها مجموعة من السياقات التاريخية والأيديولوجية والفكرية، وجعلت من بنياتها التنظيمية الداخلية رهينة لها، وبالتالي فإن قدرتها في تمثيل الفئات الضعيفة داخل المجتمع كالنساء والشباب في إطار الإعمال السلس لمبادئ وقواعد الديمقراطية ظل محدوداً، بل إن هذه الفئات تجد مقاومة قوية من داخل بنياتها التنظيمية، الأمر الذي يفقد هذه البنيات صلاحيتها الحقيقية وسلطة القرار، وتتحول في العديد من الأحزاب السياسية إلى أجهزة لتأثيث المشهد السياسي، يتم اللجوء إليها في المناسبات الانتخابية كأدوات للدعاية.
إن التمكين السياسي للنساء يجب التعامل معه وفق مقاربة حقوقية شاملة ومتكاملة قائمة على قواعد العدالة والإنصاف، وتجعل من إدماج المسألة النسائية بشكل شامل عبر اتخاذ مبادرات جريئة، حتى تمكن هذه الفئة العريضة من المجتمع من التمثيل الحقيقي الذي يوازيه قوتها الديموجرافية والاجتماعية والاقتصادية، الأمر الذي يتطلب إرساء قنوات وآليات مؤسساتية وتدابير قانونية لمواجهة الحيف الذي طالها.
ويجب العمل بدون شك على دعم الشبكات والتجمعات النسائية المشتركة بين الأحزاب واستراتيجية عملها مع جمعيات الحركة النسائية، وذلك لبناء الزخم الرامي إلى مواصلة طرح قضايا المساواة في أجندة الأحزاب السياسية وأجندة الحكومة والبرلمان.
فالرهانات المطروحة على البرلمان المغربي بتركيبته التي أفرزتها الانتخابات التشريعية لعام 2016، والتي لم تتعد نسبة تمثيلية النساء 21% من مجموع ممثلي الأمة، هي مراجعة جزء كبير من القوانين في اتجاه تحقيق مبدأ المساواة، والبرلمانيات مطالبات بمواصلة عمل المناضلات اللواتي سبقنهن وتحقيق المزيد من المكتسبات من داخل وعبر المؤسسة التشريعية. عن طريق البدء في ورش تقييم النظام الانتخابي، وبحث صيغ تدابير جديدة لتعزيز المشاركة النسائية في إطار الاستعداد لمعركة الانتخابات البلدية والتشريعية المقبلة عام 2021. علماً بأن مجلس النواب المغربي عمل على احتضان الندوة الجهوية المنظمة من طرف الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا حول "النساء في السياسة، كيف نتقدم نحو المساواة" يوم 5 يوليو 2018. كما نظم ندوة إقليمية حول "تمثيلية النساء في البرلمانات والسياقات المجتمعية في بلدان شمال أفريقيا والشرق الأوسط" أيام 21-22 دجنبر/ديسمبر 2017.
ومن هنا فإن التمييز الإيجابي لفائدة النساء هو التعبير الأمثل عن مبادئ العدالة، والتجسيد الحقيقي لحقوق النساء كحقوق شاملة وغير قابلة للتجزئة.
إن التمكين السياسي للنساء يتطلب فاعلين سياسيين يمتلكون الفهم الحقيقي للمسألة النسائية، والجرأة والقدرة على إحداث الفارق بين التعاطي التقليدي مع هذه المسألة وإدراجها في المسار التطوري الذي تعرفه المنظومة الحقوقية الدولية في تفاعل مع المقتضيات الدستورية لعام 2011.
وضع المغرب ملف التمكين السياسي والاقتصادي والاجتماعي للنساء على جدول أعمال الهيئات الدستورية الوطنية، وتم إقرار العديد من النصوص التشريعية في هذا المجال. لكن مهما كانت جودة النصوص والتدابير، فإن المقاربة القانونية وحدها غير قادرة على إدخال التحولات المنشودة، والارتقاء بالمسألة النسائية من المقاربة الضيقة التي ترتهن بتحاليل محدودة الأفق، حيث يتحول التمكين السياسي للنساء إلى أرقام وإحصائيات لا تمكن من تحقيق الانتقال المجتمعي.
أما في السودان فكان الوضع أكثر تقييداً للنساء. حيث تقلصت حقوق النساء وحرياتهن بشدة منذ بداية الحكم العسكري الإسلامي في 1989 بقيادة الرئيس السابق عمر البشير. حيث تم تقييد الحياة السياسية إلى حد كبير. ووقف البشير العمل بالدستور فور سيطرته على السلطة، وحظر جميع الأحزاب السياسية، والمنظمات والنقابات والاتحادات المهنية التابعة لها. وكانت أجندة الدولة فيما يخص النساء مستوحاة من مبادئ الثورة الإسلامية. حيث لم تتمكن النساء من التحكم في اختيار ملبسهن بسبب قرار صدر عام 1991 يجبر كل النساء السودانيات على ارتداء عباءات سوداء طويلة تصل إلى كعوبهن، وحجاب أسود يغطي رؤوسهن ووجوههن، ومن يخالفن القرار يعاقبن على الفور بالجلد.7 وبالرغم من أن هذا القمع الشديد توقف تطبيقه بعد فترة، إلّا أن حرية النساء وتواجدهن في المجال العام ظلت مقيدة بشدة بسبب قانون النظام العام.
وفي ظل هذه الظروف القمعية، من المذهل وجود العديد من المجموعات النسائية التي تتحدى الدولة والحكم العسكري الإسلامي. وقد نتج عن إلقاء العديد من السياسيين والسياسيات بالمنفى، أن تكاثرت الجبهات والأحزاب اليسارية والليبرالية والعلمانية. مثل قوات التحالف السودانية، وهو تشكيل سياسي ديناميكي تأسس في التسعينيات، ونشأ من خلاله عدد من القيادات النسائية، مثل ندى مصطفى علي الناشطة والأكاديمية.
ويمكننا القول بأن الحزب الشيوعي هو الحزب الأكثر انفتاحاً في السودان فيما يخص المساواة بين الجنسين. حيث تم تطبيق معايير للمساواة داخل الحزب بين أعضائه منذ الخمسينيات، وتولت امرأتان قيادة الحزب من خلال لجنته المركزية، وهما فاطمة أحمد إبراهيم وسعاد إبراهيم أحمد. ولكن أعداد النساء التي تولت مناصب قيادية خلال تاريخ الحزب أقل مما ينبغي أن تكون عليه.
ثانياً: غرب آسيا
يتميز المناخ السياسي في لبنان بظروف خاصة نظراً لقيام النظام اللبناني على التوافقية السياسية بين الطوائف الدينية الثماني عشرة المعترف بها. ولكل طائفة دور ومكان في الحياة السياسية اللبنانية بحسب الميثاق الوطني اللبناني.
ويوجد في لبنان حوالي 90 حزباً سياسياً، ينتمي أغلبها للطوائف. وهذا العدد الكبير عادةً ما أفرز تحالفات حزبية تسعى معاً لتصدر المشهد السياسي المعقد. ظهرت هذه التحالفات مبكراً في الحرب الأهلية اللبنانية حين انقسمت الدولة إلى ائتلافين؛ الأول هو الحركة الوطنية اللبنانية بزعامة كمال جنبلاط -ولاحقاً ابنه وليد جنبلاط- زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي، وكان تحالفاً وطنياً يسارياً، وكان الثاني تحالف الجبهة اللبنانية، وهو تحالف محافظ بقيادة حزب الكتائب اللبنانية. أما بعد الحرب وفي منتصف العقد الماضي، ظهر تحالفان جديدان بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري؛ الأول هو تحالف 8 آذار الذي تشكل إثر مظاهرة لشكر سوريا "على ما قدمته للمقاومة اللبنانية في دفاعها عن لبنان" ويضم حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر وأحزاباً أخرى. تمثل أحزاب حلف 8 آذار طوائفاً مسيحية ومسلمة شيعية ودرزية وبعض الأحزاب السنية الصغيرة. التحالف الثاني هو حلف 14 آذار، وتشكل إثر مظاهرة أخرى رداً على مظاهرة 8 آذار ومعادياً للوجود السوري في لبنان. ويضم التحالف أحزاب تيار المستقبل والقوات اللبنانية وحزب الكتائب. وكان الحزب التقدمي الاشتراكي في مقدمة المؤسسين لهذا التحالف، إلّا أنه انسحب منه وأعلن حياده السياسي بعد أحداث 7 أيار/مايو 2008 الدامية، وانتهاء انتخابات عام 2009. ويمثل هذا التحالف قوى مسيحية وسنية ودرزية.
وعادةً ما تقوم التحالفات بشكل مؤقت من أجل خوض الانتخابات بالتفاوض مع قادة الطوائف الدينية.
مازالت تلك التوافقية الطائفية تؤثر بشكل بالغ على المشاركة السياسية للنساء. فتوزيع مقاعد مجلس النواب عادةً ما يقوم على توريث النشاط السياسي، بمعنى أن المرشحون والنواب يرثون المناصب الحزبية السياسية والنيابية عن آبائهم. وعلى الرغم من التضحيات التي قدمتها النساء اللبنانيات خصوصاً طوال فترة الحرب الأهلية وكذلك في وجه الاحتلال الإسرائيلي، فقد حصل الرجال المتناحرون أثناء الحرب على المناصب السياسية ويورثونها حالياً لأبنائهم أو أقاربهم إن لم يكن لهم أبناء، وهكذا هُمشت النساء من القيادة الحزبية.
من ناحية أخرى، لم تبذل الأحزاب السياسية مجهوداً حقيقياً في تدريب وتأهيل النساء ودمجهم في العملية السياسية، بل اقتصرت على تأسيس كيانات ولجان للمرأة، ركزت تلك اللجان وحصرت نفسها في مطالب الحزب نفسه وسياساته، وبذلك لم تستطع وضع برامج وخطط نسوية على المستوى الوطني.8
أما بالنسبة إلى الوثائق السياسية الحاكمة للأحزاب، فبعضها تضمن مواداً خاصة بالمساواة بين النساء والرجال، غير أنها تُعد مجرد واجهة. فمثلاً الوثيقة الحاكمة لحزب القوات اللبنانية ينص على المساواة بين الرجل والمرأة، وتفعيل المشاركة السياسية والاجتماعية والاقتصادية للنساء، وفي صنع القرار الوطني. ويتعهد الحزب بالعمل على إلغاء وتعديل وتطوير التشريعات والقوانين حتى يتم تحقيق تلك المساواة.9 غير أنه على أرض الواقع تتألف الهيئة التنفيذية للحزب من 7 أعضاء منهم امرأة واحدة هي ستريدا جعجع زوجة رئيس الحزب سمير جعجع.
أما الحزب التقدمي الاشتراكي فغالباً ما يتحدث عن المشاركة السياسية للنساء، رغم عدم ترشيحه أية امرأة ضمن لوائحه الانتخابية حتى الآن. وقد علل رئيس الحزب وليد جنبلاط بأن السبب وراء ذلك هو القانون الانتخابي، وأنه لا يملك حرية الحركة بهذه القضية.10 وهكذا الحال مع جميع الأحزاب السياسية على مختلف أيديولوجياتها.
حاولت النساء مراراً من خلال المجتمع المدني أن تدفع نحو تعديل قانون الانتخابات وتفعيل نظام "الكوتا" مثل "الحملة المدنية للإصلاح الانتخابي"، والتي حشدت سياسيين وبرلمانيين لتعديل القانون، غير أن الأحزاب السياسية ذاتها وقفت في وجه مشروع التعديل. فكل حزب وكتلة سياسية ترغب فقط في تعديل يضمن لها نتائج انتخابية أفضل، وليس المساواة في المشاركة السياسية وسير العملية الديمقراطية بشكل تنافسي حقيقي.11
في فلسطين ارتبطت المشاركة السياسية في التاريخ الفلسطيني بالنضال الوطني ضد الاحتلال والاستعمار. وتقلدت النساء في تاريخ الثورة الفلسطينية مناصب ثورية عدة، ارتبطت بمناصب تدعم المشاركة الرجولية في النضال الوطني مع بعض الاستثناءات. ولم يرتبط النضال النسوي بالمطالب ضمن علاقات القوة والنوع الاجتماعي، وإنما كانت ثورية النساء هي الأساس في المشاركة. وبناءً عليه كانت المشاركة في الأحزاب والحركة الوطنية الفلسطينية عموماً، ضمن ثقافة المتاح والتأقلم معه ضمن الثقافة السائدة في سياق الأدوار والمهام التي من الممكن أن تقوم بها النساء.12
وفي السياق التاريخي، وضمن خصوصية وحالة النساء تحت الاحتلال تحكَّمت الأولويات الوطنية في تأخير الاجندة النسوية الحقوقية في المشاركة في مراكز القرار، ونشأ مفهوم التغليب والتأجيل؛ تغليب النضال الوطني كأولوية فلسطينية وتأجيل القضايا الاجتماعية والمطلبية لما بعد التحرير. لم تخل الحركات والتنظيمات السياسية منذ نشأتها من النساء، فتشكل الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية عام 1961، وكان يعمل على تعزيز دور النساء في التحرر الوطني. لكن المشاركة في العمل الوطني شكلت بشكل أو بآخر الدفيئة التي أهَّلت النساء الفلسطينيات ومكنتهن من المطالبة بحقوقهن الاجتماعية فيما بعد، لدى تشكيل كيان فلسطيني تحت اسم السلطة الفلسطينية ضمن اتفاق "أوسلو"، بما يمنحه الكيان من تشكيل إدارة حياة المجتمع واستحقاقاتها من بُنى تنفيذية وتشريعية وقضائية، كيان منقوص السيادة لكن لديه صلاحيات إصدار القوانين والتشريعات.
وأدى نشوء نظام سياسي، وانتقال العمل من السري الى العلني، إلى بدء مرحلة جديدة تُركز على استكمال مهمة تطبيق الاتفاقات عبر التفاوض إلى جانب التركيز على بناء المؤسسات والوزارات الرسمية بتخصصاتها المتعددة. وأعطت المرحلة قيمة أكبر للوظائف الحكومية وللعمل الحزبي والتشكيلات النقابية والشعبية والاتحادات والمراكز والجمعيات. وبدأت تبرز المصالح المختلفة للفئات الاجتماعية المختلفة ومنها النساء، كما طفت على السطح الثقافة الذكورية التمييزية تجاه مشاركة النساء العامة في جميع الميادين؛ الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية، واستخدم القانون لترسيخ التمييز في الحقوق والواجبات. ويمكن شرح عوامل هذا التمييز فيما يلي:
- تغليب قضايا التحرر الوطني على قضايا النساء:
ظلت الفجوة في المشاركة السياسية بين النساء والرجال كبيرة. وقد عللت الأحزاب ذلك بأولوية التحرر من الاحتلال. غير أن الواقع أثبت أن قضايا النساء ليست على أولوية أجندات الأحزاب. ليس فقط بسبب الاحتلال، لكن نظراً للهيمنة الذكورية والنظر بدونية إلى مسألة المشاركة السياسية للمرأة، واعتبارها قضية ثانوية لا تناسب المرحلة. ذلك على الرغم من نضال النساء ضد الاحتلال شأنهم شأن الرجال، وربما أكثر منهم بسبب الممارسات القمعية والعنف القائم على النوع الذي ينتهجها الاحتلال ضد النساء الفلسطينيات تحديداً.
- ديناميكيات القوى في المجالين الخاص والعام:
يحكم المجتمع الفلسطيني -مثل بقية شعوب المنطقة- عدة عوامل اجتماعية وثقافية تخلق أدواراً تقليدية هرمية وأبوية محددة لأدوار النساء والرجال في المجتمع. وغالباً ما يتم حصر النساء داخل المجال الخاص المرتبط بالعائلة والرعاية المنزلية، بينما يغلب على المجال العام الطابع الذكوري، وتكون المساحات المتاحة للنساء به ضيقة للغاية.
- تركيز انتباه الأحزاب السياسية للقضايا التي تناسب أجندات التمويل الدولي:
تعتمد الدولة في جزء كبير من اقتصادها على المساعدات الدولية والتمويل الدولي في ظل حالة الحصار الاقتصادي التي يفرضها الاحتلال. وحتى الآن لم تضع المؤسسات الدولية المانحة اشتراطات وآليات تضمن مشاركة النساء الفعالة في الحياة السياسية.
الرغبة في الإبقاء على اختلال توازن القوى بين الرجال والنساء:
ينتج عن ديناميكيات القوى بين الرجال والنساء المذكورة سلفاً خلل في توازن القوى، وبذلك يستأثر الرجال بالسلطة السياسية على حساب النساء. فنجد تمسك الرجال بالسلطة من خلال حرمان النساء من تقلد المناصب القيادية داخل الأحزاب السياسية.
في المقابل ناضلت الحركة النسوية الفلسطينية لتعزيز المشاركة النسائية بالأحزاب السياسية. فنددت بمواقف الأحزاب من مشاركة النساء، ومن تواطؤ الأحزاب مع قوى الإسلام السياسي والتيار المحافظ، خصوصاً فيما يتعلق بمسألة حقوق النساء بدعوى منع التشتت. أظهرت نتائج تلك المواءمات السياسية أشكالاً جديدة من التنظيم النسوي المتمثل في العمل الأهلي والمنظمات النسوية بعيداً عن سلطة الأحزاب. وفي مرحلة بناء مؤسسات الدولة وتشريعاتها من بعد اتفاقية أوسلو، طالبت النساء بإقرار نظام "الكوتا" في المجلس التشريعي والانتخابات المحلية. ونتج عن هذا إقرار "كوتا" نسائية في المجلس التشريعي الفلسطيني بنسبة 20 بالمائة. ولم يتوقف الضغط النسوي على السلطة الفلسطينية وعلى الأحزاب، فتم فتح نقاشات سياسية ومجتمعية حول المساواة في الأجور والعمل، وكذلك حول القضاء على العنف القائم على النوع. ثم جاء التصديق على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة "السيداو" عام 2014 كأحد إنجازات الحركة النسوية الفلسطينية.
وقد ساعد ذلك الحراك في تعزيز عضوية النساء في بعض الأحزاب. فحددت حركة فتح نسبة 20% كنسبة تمثيلية للنساء، ويوجد قرار اتخذته مؤخراً قيادة حركة فتح بتخصيص "كوتا" بواقع 30% ولم يطبق بعد. غير أن نسبة العضوات النساء حالياً باللجنة المركزية 5% وفي المجلس الثوري 9%. أما في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، فتشكل عضوية النساء حوالي 15% في الهيئات القيادية، و 20% من إجمالي العضوية الحزبية. أما في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، فتشكل عضوية النساء حوالي 25% في الهيئات القيادية، و 20% من إجمالي العضوية الحزبية. ووصلت نسبة تمثيل النساء في حزب الشعب الفلسطيني إلى حوالي 25%. بينما تعد أكبر نسبة تمثيل للنساء في حزب فلسطيني داخل حزب الاتحاد الديمقراطي الفلسطيني "فدا" بواقع ما يقرب من 40%. وترأست الحزب السيدة زهيرة كمال لمدة ثمانية أعوام لحين تنحيها في المؤتمر العام للحزب المنعقد في أيلول 2019، التي تعد أول امرأة تقود حزب سياسي في فلسطين. وتشغل السيدة سهام البرغوثي أيضاً منصب نائبة الأمانة العامة للحزب.
وعن الوضع الأردني، فقد عانى البلد من غياب الحياة الحزبية لثلاثين عاماً. يمكن القول إنه خلال كل هذه الفترة لعبت القبائل والعشائر الأردنية دور الأحزاب السياسية في المجتمع، وفي التواصل مع السلطة الحاكمة. وكان لذلك الدور تأثير سلبي على الثقافة المجتمعية الأردنية فيما يتعلق بالمشاركة السياسية عموماً ومشاركة النساء بصفة خاصة. وعند عودة الأحزاب عام 1989، كانت آثار المرحلة السابقة واضحة على الأحزاب. فالتأثر بالعادات والتقاليد الأبوية الخاصة بالعشائر كان متجسداً في إقصاء النساء من الحياة السياسية، والنظر للعمل السياسي والمجال العام بشكل واسع كمساحة خاصة بالرجال فقط. كانت الأحزاب الأقوى تأثيراً والأفضل تنظيماً هي الأحزاب المحافظة الإسلامية، والتي همشت مشاركة النساء. غير أنها مؤخراً أبدت اهتماماً بالنساء ليس لرغبة صادقة في إدماج النساء في العمل السياسي، بل للحصول على عدد أكبر من المقاعد البرلمانية من خلال المقاعد المخصصة للنساء بنظام الـ"كوتا".
وتضم اللوائح الداخلية للأحزاب الأردنية مواداً وفقرات تنص على المساواة بشكل عام، دون إشارة للنساء أو تخصيص بنود لآليات تعزيز مشاركة النساء. حتى بالنسبة إلى الأحزاب التي أبدت اهتماماً بالنساء، فغالباً ما تكون رؤيتها عن النساء محدودة وفي أطر التقاليد والعادات الاجتماعية المحافظة. وتأتي هذه الحالة من عدم المساواة نتيجة لعدة عوامل سياسية واجتماعية واقتصادية متداخلة فيما بينها ومنها:
- التمسك بالتقاليد والمورثات الاجتماعية الأبوية:
مازالت النساء تعاني من عادات قبلية تحصر دورها داخل الأسرة وترفض خروجها للعمل السياسي. وفي ظل فرض الرجال ولايتهم على النساء، فحريتهن في الحركة والمشاركة المجتمعية تكون ضئيلة جداً، وتكاد تنعدم في المناطق خارج المدن. ويدل على ذلك قلة نسبة تصويت النساء في الانتخابات النيابية الأخيرة عام 2016.
- ضعف الإرادة السياسية للأحزاب:
أظهرت بعض الدراسات أن العديد من الأحزاب السياسية لا تولى النساء اهتماماً كافياً من ناحية جذب النساء للعمل السياسي وتمكينهن في المناصب القيادية لتلك الأحزاب. الأخطر من ذلك هو نظرة الرجال السياسيين لمشاركة النساء في عملهم، فيرى العديد منهم أن آليات التمكين المؤقتة الهادفة إلى زيادة نسبة مشاركة النساء في مراكز صنع القرار منحة لا تتناسب مع مبدأ المساواة طبقاً لمفهومهم. كذلك يطالب البعض بإنهاء تلك الآليات مثل "الكوتا" البرلمانية، على أساس أن نسبة النساء بالمجلس النيابي قد ارتفعت بالفعل فلا داعٍ لاستمرار "الكوتا". وهذا الرأي إما أنه يعبر عن جهل بعض الحزبيين بتلك الآليات وكيفية عملها، أو اختلاق أعذار لاسترجاع المجلس حكراً لهم. فالرأي السابق يتغافل عن الموروثات الاجتماعية والثقافية بخصوص المشاركة السياسية للنساء، ومقدار الزمن الذي تستغرقه تلك الآليات لتغيير النظرة المجتمعية والثقافية للنساء.
- غياب زمام المبادرة من الدولة:
على الدولة أن تكون مبادرة في وضع وتنفيذ ومتابعة خطط ومبادرات لتعزيز مشاركة النساء بالمجال العام. غير أن الواقع عكس ذلك، بدءًا من القوانين والتشريعات التي تقيد النساء وتضع عليهن قيوداً سياسية ومجتمعية واقتصادية، مروراً بتدني نسبة النساء في المراكز القيادية بالسلطة التنفيذية والهيئات الحكومية والقضائية.
وعن نسبة المشاركة الحالية بالأحزاب الأردنية، فمن الصعب الوصول إلى أرقام ومعلومات دقيقة، نظراً إلى غياب الشفافية من قبل الأحزاب. يوضح الشكل رقم 7 نسبة النساء في صفوف الأحزاب طبقاً لدراسة أجريت على 43 حزباً سياسياً.13
وطبقاً للدراسة، فقد صرح 12 حزباً بأن لديهم مكتب أو منظمة أو قطاع خاص بالنساء. وصرحت 6 أحزاب أخرى عن نيتها لإنشاء مثل تلك الكيانات. بينما ادعى 23 حزباً أنه لا يرى حاجة لذلك. وبالنسبة إلى تطبيق نظام "الكوتا" داخل الأحزاب، فصرح 22 حزباً بأنهم يعتمدون"الكوتا" لتمكين النساء من الوصول للمناصب القيادية، بينما نفى 21 آخرون وجود مثل هذا النظام داخل أحزابهم.
يتسم المجال السياسي في العراق ببعض التعقيد. فالحياة السياسية يشوبها الطائفية شأنها شأن لبنان. وتقسم المناصب السياسية بناءً على توزيع طائفي قومي. فمثلاً يكون رئيس الجمهورية كردي، ورئيس مجلس الوزراء مسلم شيعي، ورئيس مجلس النواب مسلم سني. بالإضافة إلى ذلك فمجلس النواب العراقي يضم 9 مقاعد "كوتا" لأقليات عرقية. وعادةً ما تنشأ تحالفات حزبية من نفس الطائفة، غير أنها تحالفات هشة ويكون هدفها الفوز بأكبر عدد من المقاعد، وكثيراً ما تتفكك تلك التحالفات حول تقاسم المناصب. وتعد أزمة الأحزاب العراقية الحقيقية هي عجزها عن القيام بأحد أهم وظائفها وهي تكوين كوادر وقيادات سياسية، بل تعمل دوماً على إعادة توزيع مناصبها القيادية على نفس الأشخاص، حتى إذا كانت تلك القيادات قد أثبتت عدم كفاءتها من قبل. وتتم عملية الترشيحات الحزبية بنفس الدرجة من الهشاشة السياسية، فنجد أن أغلب الأحزاب السياسية تضع كوادرها الحزبية لا التي تستطيع دائما خدمة المواطنين والمواطنات والتأثير على السياسات، بل لاعتبارات أخرى. منها حضور وكاريزما المرشح وشبكة معارفه. ويصوت الناخبون/ات بناءً على الانتماء الطائفي أولاً، ثم تأتي المعايير الأخرى مثل البرنامج الانتخابي. ووسط كل هذا، عادةً ما يتناسى السياسيون النساء.
لا تقدم أغلب الأحزاب السياسية برامج لجذب وتمكين النساء سياسياً للدفع بهن ككوادر حزبية في الانتخابات. ولذلك التجاهل تأثير على كفاءة العضوات، وعلى التشريعات والقوانين الخاصة بالنساء التي تصدر عن المجلس. فالأحزاب السياسية عادةً ما تبدو منشغلة بقضايا أخرى على حساب برامج تعزيز المشاركة السياسية للنساء. وقد أعربت عضوات في مجلس النواب السابق أنه لولا نظام "الكوتا" النسائية بالمجلس الذي يفرض نسبة لا تقل عن 25% للنساء، لما احتلت النساء هذا العدد من المقاعد. ومن جانبهم أعرب العديد من المواطنين العراقيين الرجال تخوفهم وعدم رضائهم عن وصول النساء لمناصب قيادية في الدولة.14 تلك العوامل أثرت كثيراً في مصداقية الأحزاب السياسية، وفي رؤية وآمال العراقيين والعراقيات.
ثالثاً: منطقة الخليج العربي واليمن
تخلو المنطقة من الأحزاب السياسية. فدول المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، وقطر، وسلطنة عمان جميعها تحظر الأحزاب السياسية. أما عن البحرين، فيصرح بتأسيس الجمعيات السياسية، وهي في توصيفها تقوم بعمل الأحزاب السياسية. وفي الكويت، لم ينص الدستور على حرية تأسيس الأحزاب السياسية، لكنه لم يحظرها أيضاً، فقد نص في المادة 43 على حرية تكوين الجمعيات والتي تشمل في مدلولها العام الأحزاب السياسية بحسب المذكرة التفسيرية للدستور.15 وبالتالي ترك الدستور الأمر للمشرع بحظر أو السماح بالجمعيات السياسية. وتوجد حالياً تكتلات وتجمعات سياسية.
وبالنظر إلى خريطة الجمعيات السياسية البحرينية، نجد أن غالبيتها ذات مرجعية إسلامية تهمش دور النساء في العملية السياسية. فالعديد من هذه الجمعيات لم يرشح أية امرأة للمجالس المنتخبة ولا يسعى لذلك. وينفي بعضها تهم إقصاء النساء بدعوى أن العضوات ببساطة لا ترغب بالترشح.16 أما عن الجمعية الأكبر في العضوية والتأثير، فهي جمعية الوفاق الوطني الإسلامية، وهي جمعية سياسية معارضة ذات مرجعية شيعية، وكانت صاحبة أكبر عدد من المقاعد في البرلمان البحريني، فيرى أعضاؤها أن ترشيح النساء من قبل الجمعية قد يؤدي إلى خسارتهم مقاعد برلمانية.17 بذلك تعتبر تلك الجمعيات النساء أصواتاً انتخابية فقط دون وضع أية آليات لتعزيز مشاركتهن داخل الجمعيات، أو تثقيفهن سياسياً لخلق جيل من الكوادر النسائية القادرة على المنافسة في الانتخابات. يأتي عدم الاستقرار السياسي بالبحرين كعامل آخر لتدني مشاركة النساء بالجمعيات السياسية. ففي الأعوام القليلة الماضية، شنت الدولة هجوماً حاداً على قوى المعارضة، تضمن حبس العديد من قادة المعارضة وتم حل بعض الجمعيات السياسية والتضييق على أخرى. فمثلاً قامت الدولة بحل جمعية الوفاق الوطني الإسلامية وتصفية حساباتها عام 2016، وحبس أمينها العام 9 سنوات في سياق قمع الحكومة للمعارضة الشيعية واتهامها بالتخابر مع قوى أجنبية -في إشارة لإيران- لهدم الدولة.18 لم تسلم الجمعيات السياسية "العلمانية" المعارضة من قرارات الحل، فتم حل ومصادرة أموال جمعية العمل الوطني الديمقراطي "وعد" بحكم قضائي في 2017.19
تتشارك الكويت مع البحرين في أيديولوجية القوى السياسية، فأغلب التكتلات السياسية إما ذات طابع إسلامي سني أو شيعي، وإما طابع ليبرالي. تتشارك الكيانات السياسية في الدولتين أيضاً في إقصاء النساء. فالغالبية العظمى من تلك التكتلات لا تشمل النساء ضمن قياداتها مع استثناءات قليلة مثل التحالف الوطني الديمقراطي، والمنبر الديمقراطي الكويتي. ويعد التحالف الوطني الديمقراطي كتلة سياسية ليبرالية وصلت النساء فيه إلى المكتب التنفيذي، وأصبحت جزءًا من المجالس التنفيذية المتعاقبة إلى اليوم. وقد ضم التحالف في قائمته الانتخابية السيدة الدكتورة أسيل العوضي لعضوية مجلس الأمة الكويتي عام 2009. أما عن المنبر الديمقراطي الكويتي فيضم في أمانته العامة حالياً عضوتين من أصل 11 عضواً.20
أما في اليمن، فالوضع مختلف إلى حد كبير. فكان للنساء دور كبير في ثورة التغيير عام 2011، وشاركن بشكل واسع في الأحزاب والقوى السياسية بالإضافة إلى منظمات المجتمع المدني. وفرضن أنفسهن على الساحة السياسية رغم المضايقات التي واجهنها من قبل الجماعات المحافظة وبعض القوى الثورية. وظهر ذلك في أداء النساء العضوات في لجنة صياغة الدستور الجديد، ومن قبلها في مؤتمر الحوار الوطني.
ولكن ظلت نسب تمثيل النساء داخل الأحزاب وبالأخص في الهيئات القيادية متواضعة. فالأحزاب السياسية على اختلاف توجهاتها تنظر إلى مشاركة النساء في مراكز صنع القرار بالأحزاب على أنها قضية هامشية، وتوقيتها غير مناسب حالياً خاصة في ظل ما يحدث في اليمن اليوم. والمفارقة أن تلك الحجج مشابهة للأسباب التي قدمتها الأحزاب سابقاً قبل الحرب وثورة التغيير. فمثلاً يوضح الشكل رقم (15) تواجد النساء بالهيئات القيادية للأحزاب السياسية قبل الثورة بعامين. وهنا نجد أن جميع الأحزاب وحتى التقدمي منها لم يتخذ خطوات جادة في الوصول نحو التمثيل العادل للنساء داخل مراكز صنع القرار.
الحزب |
الهيئة |
الإناث |
الذكور |
النسبة |
المؤتمر الشعبي العام |
اللجنة العامة |
5 |
34 |
12.8% |
اللجنة الدائمة |
89 |
886 |
9% |
|
الحزب الاشتراكي اليمني |
المكتب السياسي |
4 |
27 |
13% |
اللجنة المركزية |
13 |
270 |
4.6% |
|
التنظيم الوحدوي الناصري |
الأمانة العامة |
1 |
14 |
6.7% |
اللجنة المركزية |
8 |
74 |
9.7% |
- 1. هالة كمال ‘لمحات من مطالب الحركة النسوية المصرية عبر تاريخها’ أوراق الذاكرة (5) مؤسسة المرأة والذاكرة (2016) <https://tinyurl.com/y4mqx96e>
- 2. Patrick Kingsley, ‘First Woman to Head a Political Party in Egypt Says It Proves the Revolution Has Changed Attitudes’ The Guardian (3 February 2014) <https://www.theguardian.com/world/2014/m... accessed 22 August 2018.
- 3. Hania Sholkamy, ‘Women Are Also Part of This Revolution’ in Bahgat Korany and Rabab El-Mahdi (eds), Arab Spring in Egypt: Revolution and Beyond (The American University in Cairo Press 2012) 171.
- 4. Monte Carlo Doualiya, Interview Souad Aberrahim, Bochra Belaj Hmida et Nadia Chaabane (Via Youtube) <https://www.youtube.com/watch?v=nxOAMHKI... Accessed 15 April 2019
- 5. Nihel Ben Amar, ‘Women’s Political Participation in Tunisia’ (European Policy Centre 2016) <http://www.epc.eu/pub_details.php?cat_id... accessed 12 April 2019.
- 6. ورقة مقدمة من عضوات الملتقى السيدة عائشة لبلق والسيدة سعاد الزيني.
- 7. Sudanese Democratic Gazette no. 19, December 1991, P.8
- 8. سعدي علوه وغسان صليبي "احتياجات تنظيمية لتعزيز مشاركة النساء في الأحزاب والنقابات في لبنان" التجمع النسائي الديمقراطي اللبناني (٢٠١٤) <https://www.rdflwomen.org/wp-content/upl...
- 9. شرعة حزب القوات اللبنانية < https://www.lstatic.org/PDF/choraa.pdf>
- 10. إدمون خوري وجني عليان "جنبلاط يدعم مشاركة المرأة سياسياً ولا يرشح سيدات من أعضاء حزبه" موقع مهارات (12 يونيو 2018) < https://tinyurl.com/y37lpldn>
- 11. دورين خوري "المشاركة السياسية للمرأة في لبنان" هينريش بُل بيروت (17 أكتوبر 2013) <https://lb.boell.org/ar/2013/10/17/lmshr...
- 12. "المشاركة العامة للنساء الفلسطينيات" ورقة مقدمة من عضوة الملتقى السيدة ريما نزال.
- 13. حلمي ساري وآخرون " تطور الحياة الحزبية في الأردن: دراسة تاريخية تحليلية" مركز القدس للدراسات السياسية (فبراير 2017) <http://www.alqudscenter.org//uploads/pub...
- 14. "إتاحة فرص جديدة للمرأة في العراق" المعهد الديمقراطي الوطني (ديسمبر 2018) <https://tinyurl.com/y59xov4x>
- 15. المذكرة التفسيرية لدستور الكويت <http://www.kt.com.kw/ba/tafseriah.htm>
- 16. Suad Hamada, ‘Politics-Bahrain: More than a Matter of Putting Women in Office’ (Inter Press Service, 18 October 2010) <http://www.ipsnews.net/2010/10/politics-... accessed 17 April 2019.
- 17. Ibid.
- 18. "الأمم المتحدة تستنكر حل جمعية الوفاق المعارضة في البحرين" DW عربية (19 يوليو 2016) <https://p.dw.com/p/1JREg>
- 19. "حل جمعية وعد البحرينية العلمانية المعارضة بحكم قضائي" بي بي سي عربي (31 مايو 2017) <http://www.bbc.com/arabic/middleeast-401...
- 20. الأمانة العامة للمنبر الديمقراطي الكويتي 2017-2019 <https://alminbarkw.org/?page_id=321>