الخاتمة

تناول هذا التقرير وضع النساء في المجال العام في المنطقة العربية، بدءًا من تاريخ مشاركتهن بالمجال العام ومطالبتهن بحقوقهن السياسية والاقتصادية والاجتماعية بجانب نضالهن الوطني ضد الاستعمار.

يمكننا أن ننظر إلى تواجد النساء في المجال العام كعملية مستمرة في التطور، وفي تراكم التجارب التي استطاعت النساء من خلالها الحصول على العديد من الاستحقاقات التي بدورها عززت من مشاركة النساء في المجال العام.

وفي المنطقة العربية، ونتيجة لاختلاف السياقات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتاريخية، فقد تباينت نسب وفاعلية مشاركة النساء في المجال العام. فنجد أن بعض الدول استطاعت النساء فيها الانخراط في أشكال تنظيمية سياسية مختلفة -رسمية وغير رسمية- وذلك بفضل عدة عوامل أهمها نضالهن من أجل الوصول إلى تلك الحقوق، بالإضافة إلى العوامل السياسية والاجتماعية الخاصة بهذه الدول. بينما في دول أخرى، استطاعت النساء الحصول على بعض من تلك الحقوق في صورة إصلاحات دستورية وتشريعية، لكنها مازالت غير مفعَّلة بالكامل ومازالت تفتقد التطبيق.

كذلك أشار التقرير إلى أهمية الأطر القانونية المتمثلة في الدساتير والتشريعات الوطنية والتصديق على المعاهدات والاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان لتعزيز وحماية مشاركة النساء في الحياة العامة. وليس فقط على مستوى القوانين الخاصة بالمشاركة السياسية، لكن كذلك القوانين الأخرى الخاصة بالأحوال الشخصية ومكافحة العنف ضد النساء، والتي تعمل على تهيئة مناخ عام يشجع النساء على الانخراط بالمجال العام.

شهد المجال العام مشاركة واسعة من النساء بالتزامن مع انتفاضات وثورات الربيع العربي، والتي مثلت علامة فارقة لكثي من نساء المنطقة في علاقتهن بالمجال العام. لكن ذلك لا يعني بالضرورة أن حيوات النساء قد تحسنت، وتوسعت مشاركتهن السياسية. لقد عانت النساء في بعض هذه الدول التي تحولت إلى مناطق صراع، ومازالت تدفع النساء أثماناً باهظة نتيجة تلك النزاعات.

ركز التقرير على مؤسسات سياسية وتنظيمية محددة وهي الأحزاب السياسية والنقابات العمالية والمهنية، إضافة إلى سلطات الدولة؛ التنفيذية والقضائية والتشريعية. وقدم لمحة عامة عن أوضاع النساء في تلك المؤسسات ومدى مشاركتهن على المستويات القاعدية والقيادية.

وقد أظهر التقرير أن هناك تطوراً في مشاركة النساء في الأحزاب السياسية بشكل عام، باستثناء بعض الدول التي تعاني من عدم الاستقرار السياسي والنزاعات المسلحة.  إلّا أنه وبشكل عام، نستطيع أن نجد بعض أوجه التشابه وخاصة فيما يتعلق بالتحديات التي تواجه النساء للوصول إلى مراكز صنع القرار، والهيئات القيادية للأحزاب السياسية. من بينها تباين مواقف الأحزاب السياسية على مستوى دعواتها لإشراك النساء في العملية السياسية والكيانات التنظيمية مقارنة بإدماج وتفعيل مثل تلك الدعوات باللوائح الداخلية وسياسات الأحزاب. إذ نجد عدداً من الأحزاب ذات الشعبية الكبيرة في دول المنطقة لا تتضمن لوائحها آليات واضحة حول تنمية الكوادر النسائية داخلها ووصولها إلى مواقع صنع القرار.

تحدي آخر هو تأثير الثقافة الأبوية وبعض العادات والتقاليد على توجهات الأحزاب السياسية نحو إدماج النساء في قيادتها، يمكن أن نرى ذلك خاصة في المجتمعات ذات الطابع القبلي أو تلك التي يغلب عليها الصبغة الطائفية.

تلعب الإرادة السياسية للأحزاب دوراً كبيراً في زيادة أو ضعف التمثيل النسائي، فعدم تولية الأحزاب اهتماماً كافياً لجذب النساء للعمل السياسي من شأنه أن يؤثر بالسلب على أعداد النساء الحزبيات.

تتشابه أوضاع النساء في النقابات العمالية والمهنية مع الأحزاب السياسية، من ناحية هيمنة الرجال على النقابات وقيادتها. فعلى الرغم من التواجد الكثيف للنساء في القوى العاملة لدول المنطقة، إلّا أنهن ما زلن يعانين من الإقصاء والتهميش خاصة في مجالس النقابات ومناصبها العليا. ولا يعني ذلك بأي حال عدم وجود قيادات نسائية نقابية في أغلب دول المنطقة وخاصة في دول شمال أفريقيا وغرب آسيا. فعلى سبيل المثال، شهدت الانتفاضات والثورات الشعبية في دول المنطقة حضوراً بارزاً للنساء العاملات والمهنيات في مصر والمغرب. كذلك في المراحل الانتقالية بعد الثورات مثلما حدث في تونس. وفي الشهور القليلة الماضية في كل من السودان والجزائر خلال نضال الشعبين نحو التحول الديمقراطي. وعلى الرغم من ذلك مازالت الكفة غير متكافئة بين النساء والرجال فيما يخص القواعد النقابية والقيادات، حتى في القطاعات التي تشهد أغلبية من النساء.

على مستوى سلطات الدولة الرسمية؛ التنفيذية والقضائية والتشريعية، أظهر التقرير أن هناك تحسناً عاماً في أغلب دول المنطقة العربية فيما يخص مشاركة النساء وتواجدهن بالمناصب العليا للدولة. فزادت أعداد النساء الوزيرات في المنطقة بشكل واضح خلال الأعوام القليلة الماضية. غير أنه من الهام أيضاً النظر إلى ما وراء تلك الأرقام والإحصاءات، فكثيراً ما يتم حصر النساء في تولي وزارات مرتبطة في طبيعتها بالنظرة التقليدية لأدوار النساء في المجتمع. كذلك تفتقر بعض الدول إلى التوزيع العادل للفرص على جميع النساء المؤهلات لتولي تلك المناصب، وبغض النظر عن انتماءاتهن السياسية، سواء كن مواليات أو من القوى المعارضة للحكومة أو مستقلات.

ومازال هناك عدد من دول المنطقة تمارس تمييزاً وإقصاء للنساء داخل السلطة القضائية، فبعض الدول حرمت نسائها حقهن في الوصول إلى منصة القضاء وفي النيابات العامة، سواء من خلال قوانين تمييزية تهمش النساء، أو بفعل قرارات غير دستورية مبنية على أبوية هشة تخشى فقدان امتيازاتها ومصالحها.

أخيراً، شهدت المنطقة ارتفاعاً تدريجياً في أعداد النساء بالمجالس التشريعية المنتخبة والمعينة خصوصاً في العقد الأخير، حتى وصلت إلى رئاسة تلك المجالس. ويرجع الفضل في ذلك التحسن إلى حملات الضغط ومطالبات النساء بتمثيل عادل خلال العملية الانتخابية، وداخل المجالس التشريعية من خلال آليات محددة مثل اعتماد نظام "الكوتا". ففي تونس استطاعت النساء الحصول على التناصف العمودي والأفقي في الترشح، والذي يحسن من شروط المنافسة بين النساء والرجال في الانتخابات. في نفس الوقت، ينبغي النظر إلى طرق تطبيق تلك الآليات. فبعض الدول تعاملت مع "الكوتا" على أنها الحد الأدنى والأقصى في ذات الوقت لتمثيل النساء، مثلما حدث في العراق. كذلك من الضروري تحليل نتائج "الكوتا" داخل سياقاتها. فمثلاً تطرق التقرير إلى التعديلات الأخيرة التي طرأت على الدستور المصري، والتي شملت زيادة نسبة تمثيل النساء بمجلس النواب إلى 25%، والتي لا تمثل بالضرورة تحسناً في أوضاع النساء، خصوصاً في ظل ما يعانيه المجال العام برمته من تضييق وسيطرة من قبل الدولة، وعدم توافر بيئة ديمقراطية حقيقية تسمح بمشاركة فعالة ومثمرة للنساء في المجال العام.

وفي ظل كل هذه المعطيات، علينا التأكيد على ضرورة تبني قضايا النساء ومسألة مشاركتهن بالمجال العام كقضايا سياسية بالأساس. وعلى جميع الأطراف المعنية من أحزاب سياسية ونقابات ومؤسسات الدولة بالإضافة إلى المجتمع المدني، اتخاذ خطوات حقيقية نحو تحقيق التمثيل العادل للنساء بالمجال العام وتهيئة المناخ السياسي والتشريعي والاجتماعي للوصول إلى هذه المشاركة وحمايتها وتطويرها. وقد أثبتت نساء المنطقة عدة مرات وعلى اختلاف السياقات أنهن مستمرات في مطالبهن وفي نضالهن من أجل تحقيق المساواة والعدالة الجندرية الكاملة.